تقييم الرؤية الماركسية للرعاية الاجتماعية

29 يناير 2024
تقييم الرؤية الماركسية للرعاية الاجتماعية

تقييم الرؤية الماركسية للرعاية الاجتماعية من خلال ثلاثة أبعاد اساسية همها مفهوم هذه الرؤية للرعاية الاجتماعية ونظرة هذه الرؤية التطور الرعاية الاجتماعية ومضامين هذه الرؤية على السياسة الاجتماعية.

فهم الرؤية الماركسية للرعاية الاجتماعية

يقوم على أساس أن الحاجة الإنسانية يجب أن تكون المعيار الأساسي لعلاقات التوزيع في المجتمع ، وأن مجتمع الرعاية هو المجتمع الذي يقوم التنظيم الاجتماعي فيه بصفة عاملة، وتوزيع السلع والخدمات وفرص الحياة بصفة خاصة على أساس الحاجة ( لكل حسب حاجته) أما المجتمع غير الإنساني (الذي يفتقد الرعاية الحقيقية) فهو المجتمع الذي لا يلقی بالاعتبارات الإنسانية، وتلعب علاقات السوق فيه دوراً أساسيا في إشباع حاجات أعضائه، ويتميز هذا الفهم الماركسي للرعاية بالوضوح النسبي وعدم الغموض، وإمكانية إدراكه في الواقع الفعلي بل ترتبط الرعاية بالوفرة، وعدالة التوزيع وفقا الحاجة.

كما أن مثل هذا الفهم للرعاية الاجتماعية لا يطرح أسلوباً لفهم أنساق الرعاية الأخرى التي تتم في إطار المعتقدات الدينية والإحسان، والمساعدات المتبادلة ويرجع ذلك القصور إلى:

  • أن نمط الإنتاج والبناء الاقتصادي للمجتمع ، هو موضوع أو محل الاهتمام الرئيسي للماركسيين، وأن التركيز على هذا الجانب يتجه إلى مستوى المجتمع – الدولة ، وليس إلى مستوى الأفعال الفردية أو النظم الفرعية.
  • أن الماركسية كنظرية شاملة لا تهتم سنوی بالتحولات الكلية للمجتمع، ويؤدي ذلك إلى مدخل بالغ العمومية، يهتم بالتغيرات الأساسية، وليس بدراسة حالات أمبيريقية أو مؤسسة رعاية بذاتها.

الرؤية الماركسية لتطور الرعاية الاجتماعية

كان ماركس غير متفاعلا في إمكانيات سياسة الإصلاح الاجتماعي ، وبرامج الرعاية الاجتماعية التي يوفرها المجتمع البرجوازي ، وقدرة هذه البرامج في مجال تحقيق مجتمع الرعاية . ويرجع ذلك إلى قناعته بأن قيم ومؤسسات الرعاية على تناقض تام مع البناء الأساسي للرأسمالي ، الذي يقوم على أساس علاقات السوق ، والسعي لتحقيق الربح . بالإضافة إلى قناعة مارکس بالدور العام للأساس الاقتصادي ، في السيطرة على المستويات الأخرى السياسية والأيديولوجية والقانونية ، ومن هنا كان تشككه في فعالية التشريعات الاجتماعية في تغيير صورة علاقات التوزيع ، التي يقوم عليها إشباع الحاجات الإنسانية ، وهي محور الرعاية لدى ماركس .

انتقاد للرؤية الماركسية لتطور الرعاية الاجتماعية

أن هذه الرؤية تركز على المجتمعات الرأسمالية، وتجاهل تحلیل خبرة المجتمعات الأخرى غير الرأسمالية ويؤدی غياب مثل هذا المدخل المقارن (عبر مختلف الأنماط الإنتاجية أو المجتمعات) إلى العديد من المشكلات النظرية والأمبيريقية في فهم تطور الرعاية الاجتماعية.

لعل أول هذه المشكلات ترتبط بالخلط وعدم التمييز بين أوضاع الرعاية في إطار الرأسمالية، والصناعية ( أو المجتمع الصناعي )، والفشل في توضيح أن مشکلات وتناقضات المجتمع الغربي ترتبط بنمط خاص من الرأسمالية هي الرأسمالية الديموقراطية وليس الرأسمالية في ذاتها كما أن افتراض الماركسية بأن الاشتراكية هي الدواء الشافي لجميع أمراض الرأسمالية.

الآثار المترتبة للرؤية الماركسية على السياسة الاجتماعية

الآثار المترتبة على تبني الرؤية الماركسية على السياسة الاجتماعية فيما يلى:

  • لا يستبعد الماركسيون إمكانيات الإصلاح الاجتماعي، وتطور الخدمات الاجتماعية في ظل المجتمع الرأسمالي، بيد أنهم يرون أن مثل هذه الإصلاحات تظل شگلية ومحدودة ، ولا يمكنها أن تحقق مجتمع الرعاية الحقيقية باسلوب آخر يمكن للدولة الرأسمالية أن توفر بعض الخدمات الاجتماعية، وبرامج الرعاية.
  • تؤكد الماركسية الحاجة إلى النضال المستمر من جانب أعضاء الطبقة العاملة، وفعالية هذا النضال في تحقيق برامج الرعاية وطالما أن برامج الرعاية والخدمات الاجتماعية تمثل مكاسب وامتيازات بتم انتزاعها من طبقة الراسمالين.
  • يری الماركسيون أنه لا توجد سياسة اجتماعية يمكنها أن تواجه مشكلات المجتمع الرأسمالي، وخصوصا محاربة الفقر في ظل النظام الرأسمالي.
  • أن برامج وخدمات دولة الرفاهية ومحاولاتها دمج العمال في النظام القائم من خلال تهذيب أساليب الاستغلال ، ورفع كفاءة ، وإنسانية الرأسمالية، تعمل هذه البرامج والخدمات في الواقع على تزييف وعي أعضاء الطبقة العاملة، وشراء تأييدهم للنظام بثمن بخس.
  • وطالما أن الماركسيين يؤكدون على العلاقة بين الإملاح التدريجي، وإمكانيات الصراع الفردي لتحقيق تغيرات ثورية، (بمعنى أن الإصلاحات تضعف من عنف النضال، ولها تأثير سلبي عليه)، لذلك فإن الالتزام الصارم من جانب العمال بالصراع العنيف، يضعف بالقطع من التزام النظام القائم بالرعاية.