الصور الفنية في القصيدة الدمشقية لنزار قباني

14 فبراير 2019
الصور الفنية في القصيدة الدمشقية لنزار قباني

تحدثنا في موضوعات سابقة عن القصيدة الدمشقية وشرحها، واليوم موعدنا مع الصور الفنية في القصيدة الدمشقية. وكما ذكرنا من قبل، فإن القصيدة الدمشقية هي واحدة من أجمل ما كتب الشاعر السوري المعروف نزار قباني. وقد حظيت القصيدة الدمشقية بشهرة واسعة في العالم العربي، وقبل التطرق إلى الصور الفنية في القصيدة الدمشقية، سنتحدث قليلا عن صاحب القصيدة، ألا وهو الشاعر المعروف نزار قباني.

الشاعر نزار قباني

يتربع الشاعر نزار قباني على رأس قائمة أشهر شعراء الأدب العربي الحديث، نظرا لما تركه من تراث كبير جدا من الشعر في العديد من المجالات المختلفة. وُلد الشاعر نزار قباني في العاصمة السورية دمشق، عام  ألف وتسعمائة وثلاث وعشرين ميلاديا (1923 م).

التحق بعد تخرجه من كلية الحقوق في جامعة دمشق، بالسلك الدبلوماسي في سوريا. لكن شهرة نزار قباني لم تأت من السلك الدبلوماسي، بل جاءت من بوابة الشعر والأدب.

وامتاز شعر نزار قباني بالدفاع عن حقوق المرأة بشكل دائم، والتركيز على اهمية وقيمة الحب في حياة الإنسان. ولعل السر في ذلك هو تأثر الشاعر الكبير بواقعة انتحار أخته، بسبب رفضها الزواج على الطريقة التقليدية.

قضى نزار قباني السنوات الأخيرة من حياته في عاصمة الضباب لندن، وهناك، غادر دنيانا، وكان ذلك في العام ألف وتسعمائة وثمان وتسعين ميلاديا (1998 م). عقب الوفاة جرى نقل نزار قباني إلى سوريا، ودفن الشاعر الراحل في العاصمة دمشق.

أما عن التراث الأدبي للشاعر الكبير نزار قباني، فهو متميز وكثير جدا، وللشاعر الراحل العديد من دواوين الشعر. كما أن له العشرات من القصائد صاحبة الشعبية الكبيرة، مثل القصيدة الدمشقية التي سنتناولها بالشرح اليوم.

القصيدة الدمشقية

قبل الحديث عن الصور الفنية في القصيدة الدمشقية، سنعرض لكم القصيدة”

هذي دمشق وهذي الكأس و الراحُ         إنِّي أحبُ وبعض الحبَّ ذباحُ

أنا الدِّمشقي لو شرحتمُ جسدي            لسالَ منه عناقيدٌ وتفاحُ

ولو فتحتم شراييني بمُديتكم          سَمِعْتمُ في دمِي أصواتَ من راحوا

زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا        وما لقلبي -إذا أحببتُ- جرَّاحُ

مآذنُ الشامِ تبكي إذْ تعانقُني          وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ

للياسمينِ حقوقٌ في منازلنا           وقطَّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ

طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتِنا          فكيف أنسى وعطرُ الهَيْلِ فوّاحُ؟

هذا مكانُ “أبي المعتَزِّ” منتظرٌ        ووجهُ “فائزةٍ” حلوٌ ولمَّاحُ

هُنا جذوري، هُنا قلبي، هُنا لغتي      فكيف أوضحُ؟ هلْ في العشقِ إيضاحُ؟

كم من دمشقية باعتْ أساورَها        حتَّى أغازلَها والشعرُ مفتاحُ

أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ مُعتذرًا         فهل تُسامِحُ هيفاء ووضاحُ؟

خمسون عامًا وأجزائِي مبعثرةٌ        فوق المحيطِ وما في الأفق مصباحُ

تقاذفتني بحارٌ لا ضفافَ لها         وطاردتنِي شياطينٌ وأشباحُ

أقاتلُ القُبحَ فِي شِعْرِي وفِي أَدَبَي      حتَّى يفتِّحَ نوَّارٌ وقداحُ

ما للعروبةِ تبْكِي مثلَ أرملةٍ        أليسَ في كُتُبِ التَّاريخِ أفراحُ؟

والشِّعرُ ماذا سيبْقَى منْ أصالتِهِ؟      إذا تولَّاه نصَّاب ومداحُ؟

الصور الفنية في القصيدة الدمشقية

وبعد عرض القصيدة، سنتحدث الآن عن الصور الفنية في القصيدة الدمشقية، التي اشتهر بها شعر نزار قباني في كل قصائده. وهذه بعض الصور الفنية في القصيدة:

هذي دمشق وهذي الكأس و الراحُ          إنِّي أحبُ وبعض الحبَّ ذباحُ

في هذا البيت، قال الشاعر “وبعض الحب ذباح”، حيث يشبه الحب بالإنسان الذي يقوم بعملية الذبح. وقد حذف نزار قباني الإنسان وهو المشبه به، واستدل عليه بشيء من صفاته، ألا وهي صفة الذبح. هذه الصورة تعرف باسم الاستعارة المكنية.

مآذن الشام تبكي إذْ تعانقني         وللمآذن كالأشجارِ أرواحُ

نفس الأمر ينطبق على قول الشاعر “مآذن الشام تبكي”، فهي استعارة مكنية. حيث شبه الشاعر المآذن بالإنسان، وحذف المشبه به وكنى عنه بإحدى الصفات الدالة عليه وهي صفة البكاء.

ما للعروبةِ تبْكِي مثلَ أرملةٍ         أليسَ في كُتُبِ التَّاريخِ أفراحُ؟

من ضمن الصور الفنية في القصيدة الدمشقية، قول الشاعر: “ما للعروبة تبكي مثل أرملةٍ”. وهنا يشبه العروبة بالمرأة الأرملة التي تبكي بسبب فراق زوجها. وقد حذف الشاعر وجه الشبه، وأبقى على المشبه “العروبة” وأبقى أيضا على المشبه به “المرأة الأرملة”، وأداة التشبيه “مثل”، بينما حذف وحذف وجه الشبه. وهذا يعرف باسم التشبيه المجمل.