الأنثروبولوجيا والعولمة

29 يناير 2024
الأنثروبولوجيا والعولمة

منذ فترة غير قصيرة، وبالتحديد منذ بداية عقد التسعينات يتدفق علينا، من كل حدب وصوب خطاب متنوع المستويات عن العولمة Globalization تسيطر عليه عبارات واوصاف ومصطلحات من أنوع التالي: ثورة المعلوماتية الكونية، وثورة الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة، تسارع حركة التبادل التجاري وتضخم حجمها بارقام فلكية على مستوى العالم كله، الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات العالم قرية واحدة صغيرة أو كبيرة وفقأ لوحدة القياس، العمالة المهاجرة باعداد وفيرة من اطراف الكرة الأرضية إلى أطرافها الأخرى، السياحة المتجولة بكثافة لم يسبق لها مثيل من كل بقعة في بقاع الكرة الأرضية، التدفق الهائل للصور والتعليقات والكبار والمعلومات والرسوم والأشكال، هذا التدفق الأتي عبر الشاشات من جميع الأنواع والأحجام ومن كل مكان.

علاقة الأنثروبولوجيا والعولمة

لقد برزت العولمة بشكل واضح خلال عقد التسعينات وأصبح من الواضح أن معظم التحولات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية المذهلة والمتسارعة التي يشهدها العالم هي إما سبب من اسباب العولمة، و العولمة مفهوم خلافی مراوغ، يحمل كثيرة من التوجهات والمفارقات التي يتعين الانتباه إليها وإدراك ما تتضمنه او ترمی اليه من اهداف بعيدة المدى، قد تخفى دلالاتها في كثير من المتحمسين أو الدعاة وتصور صناع (العولمة) فإنه يمكن أن يحدث ايضأ التفاعل والتمايز بين الثقافات. غير انه مهما تكن الأحكام في إطارها العلمي فإن أكثر ما يميز هذه الظاهرة الجديدة ايا كان اسمها – العولمة. هو فعل العنف والعدوان الذي يحدث بشكل دائم ضد الثقافات الأخرى.

ومن ثم اصبح من الواضح أن العولمة تاخذ أكثر من شكل وتأتي في أكثر من صيغة واحدة، لذلك اصبح من الضروري التمييز بين العولمة الإقتصادية والعولمة الثقافية والعولمة السياسية والعولمة العلمية والعولمة الإجتماعية، فلا توجد عولمة واحدة، بل هناك عولمات عدة تتفاوت في معانيها ومضامينها وتجلياتها وحضورها على ارض الواقع.

ويدرك الأنثروبولوجيون أن العولمة عملية معقدة ومتعددة الوجوه ولها مجالاتها المتنوعة ( الثقافية – الاقتصادية – السياسية – البينية …. إلخ). ولهذا يمكن أن تتداخل من زوايا متعددة وتعتبر الوظائف الثقافية مجرد واحدة من هذه الزوايا، كما أنها إحدى الطرق الهامة التي من خلالها يستطيع المرء فهم العولمة وسوف يقتصر العرض الراهن على عرض العولمة الثقافية

العولمة الثقافية

هناك إعتقاد سائد في الغرب بانه سياتي يوم مايكون هناك إمبريالية ثقافية Cultural Imerialism، بمعنى أن العالم كله سوف يصبح في يوم من الأيام ثقافة واحدة وحتى يأتي هذا اليوم على حد قول جو سميث Joe Smith او ان يصبح ممكنا فإنه يجب على الثقافات اللاغربية أن تشتمل على بعض عناصر الثقافات الغربية، على الرغم من الاعتقاد بان ثقافات العالم من الصعب أن تكون قادرة على ان تتحد معا لتشكل كلا واحدا.

ثقافة لها من القدرة والتاثير مثلما هو الحال في العولمة الإقتصادية التي استطاعت تحطيم الحواجز الجغرافية بين المجتمعات الإنسانية، وتشمة لتطور التقنية سكا ساعد على انتشار ثقافة الصورة خارج البلدان.

ومن الواضح أن العولمة تخترق الهويات المختلفة، ليس عن طريق لى الذراع، او إشعال الحروب، فهذا الأسلوب لم يعد حضاريا وإنما تعتمد على المفاهيم العقدية والسياسية والثقافية، فتهمشها، ثم تبذر محلها مفاهيم إقصائية مادية استهلاكية استمتاعية، والعولمة تحاول ربط الناس كذلك و انه من المعروف بل من المؤكد ان الثقافات الإنسانية درجت منذ فجر التاريخ وتلك الخصوصية الثقافية التي تجعل اعضاءها يزدادون انتماء بها وإليها مهما علت درجة هذه الثقافة او هبطت لأنها في آخر الأمر هي جزء من الكيان.